«العائدون من ليبيا».. رحلة الموت تنتهى في مصر
معاناة المصريين الفارين من جحيم الحرب الأهلية بالمدن الليبية وتدور رحاها فى العاصمة طرابلس ومدينة بنغازى، ويزيدها اشتعالا قادة تيار الإسلام السياسى من أنصار الشريعة وتنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، المصريون فروا بأرواحهم تاركين وراءهم الغالى والنفيس وثمرة جهودهم خلال فترة عملهم بليبيا، قاصدين أرض الوطن بحثا عن الأمن والأمان الذى افتقدوه فى ليبيا من أجل لقمة العيش.
وسط المبانى والمنشآت المدمرة ومستودعات الوقود المشتعلة وأصوات المدافع والصواريخ التى تتساقط على مطار طرابلس الدولى، والقذائف التى تصيب منازلهم ومقر إقامتهم وتخلف كثيرا من الدمار والخراب وسقوط القتلى والجرحى، بدأ المصريون رحلتهم للعودة إلى مصر عبر طريقين، الأول معبر رأس جدير على الحدود الليبية التونسية للوصول لمطار جربا لركوب الطائرات التى تقلهم إلى القاهرة، أو عن طريق بلوغ معبر السلوم البرى على الحدود المصرية الليبية.
خلف: سجدت على الأرض وقبلت تراب الوطن
إبراهيم خلف من قرية الكوامل مركز المنشأة بمحافظة سوهاج، يعمل عامل بناء يحمل الرمال والزلط بمدينة طرابلس، عند بلوغه الحدود المصرية الليبية سجد على الأرض وقبل تراب الوطن، ونطق بالشهادتين وحمد الله على عودته سالما إلى مصر، مؤكدا أنه آثر العودة إلى ذويه وعائلته بسوهاج بعد أن رأى الموت بعينه عدة مرات، فقرر العودة بعد أن أفزعتهم الطائرات والمدافع والصواريخ، مضيفا أن أحد الصواريخ قد سقط على مزرعة مجاورة لمحل إقامتهم بطرابلس وقتل 23 مصريا، وقد عاد وهو مديون بـ200 دينار من ثمن أجرة العودة من طرابلس للحدود المصرية، التى بلغت 400 دينار، فضلا عن المبلغ المتبقى من التأشيرة ويقدر بخمسة آلاف جنيه.
سلطان: قضيت 6 أيام دون طعام أو نوم
سلطان معتمد محمود من ديروط بمحافظة أسيوط، عاش رحلة عذاب من أجل العودة إلى مصر، وبدأت الرحلة من طرابلس إلى الحدود الليبية التونسية لبلوغ معبر رأس جدير للتوجه لجربا لركوب طائرة تقله للقاهرة، وبعد أن أمضى 6 أيام هناك دون غذاء أو نوم ولم يتمكن من الوصول للمطار أو دخول الأراضى التونسية حيث منعتهم الأجهزة الأمنية وأطلقت الأعيرة النارية فى الهواء لتفريقهم، بعد أن احتشدوا على المعبر للدخول، ثم عاد مرة أخرى إلى طرابلس، وبدأ رحلة معاناة جديدة من طرابلس إلى منفذ السلوم على الحدود المصرية الليبية، لافتا إلى أن طريق المطار والطريق الدولى بين مصر وليبيا كله مخاطر.
يوسف: مصر أغلى من أى بلد فى الدنيا
يوسف عبد الوهاب قاسم، من مركز ملوى، بمحافظة المنيا، عامل بناء، قال إنه لن يجد ترابا أحسن من تراب مصر، فمصر أم الدنيا وترابها وأرضها أغلى من أى بلد أخرى، مؤكدا ندمه الكبير على تركه عائلته وبلاده والسفر إلى ليبيا فقد شعر بالأمن والأمان بعد أن وطئت قدماه أرض الوطن، مشيرا إلى حسن المعاملة من أجهزة الأمن وقوات الجيش والشرطة وموظفى الجمارك والجوازات المصرية، حيث تم استقبالنا بحفاوة وتأخرنا بعض الشىء خلال الفحص الأمنى للكشف عن أى عناصر خارجة عن القانون أو مطلوبة فى قضايا جنائية.
مشرف السيد عبد الباسط من مركز بنى هانى بمحافظة بنى سويف، كان يعمل مزارعا بمدينة طرابلس، قال «تركنا ليبيا بسبب الاشتباكات المسلحة بين الليبيين، حيث يتصارعون ويقتل بعضهم بعضا، وأردنا أن ننجو بأنفسنا من الحرب الدائرة التى أحرقت منازلنا وروعتنا، وقد واجهتنا مشكلة نقص المواد الغذائية بالمحال التجارية فى المدينة، لأنها قد نفدت، بسبب تكالب الليبيين عليها وشراء كثير منها وتخزينها خوفا من نفاد السلع والأغذية بالعاصمة التى شهدت تخريبا شبه تام».
عبد الباسط تابع حديثه قائلا «إن السائقين الليبيين كانوا يبيعون ويشترون فى المصريين ويستغلون الموقف، حيث يتم نقلهم من طرابلس إلى مساعد على الحدود المصرية الليبيية بمبلغ من 200 إلى 400 دينار ليبى، وفى العادة كانت أجرة الركوب تتراوح ما بين 100 إلى 120 جنيها، وقد وقعنا فريسة فى أيدى هؤلاء المرتزقة، فكانوا يسلموننا لبعضهم ويستغلوننا أسوأ استغلال، فنركب ميكروباصا وندفع له ثم يقوم بإنزالنا على الطريق الدولى ويسلمنا لميكروباص آخر وندفع الأجرة مرة ثانية.
عبد الباسط أوضح أن الصراع الدائر فى ليبيا بين مصراتة والزنتان وطرابلس، وسمعنا أن جماعة الإخوان المسلمين مع جماعات مصراتة وميليشياتها المسلحة، وكل منهم يسعى للسيطرة على العاصمة الليبية. وعن تنظيم القاعدة وجماعة أنصار الشريعة قال إنه لا يعلم عنهما شيئا، ولم يهتم بهذا الشأن لأنه لا يعنيه.
عبد الباسط أضاف أن هناك العشرات من المصريين ذهبوا إلى الحدود الليبية التونسية عند منفذ رأس جدير أملا فى الوصول إلى الأراضى التونسية وبلوغ مطار جربا الذى يبعد بنحو 120 كيلومترا غربى رأس جدير، ليتم نقلهم على متن طائرات شركة مصر للطيران إلى مطار القاهرة، وبعد ستة أيام قضاها هؤلاء فى الخلاء ينتظرون السماح لهم بدخول تونس عادوا إلى طرابلس يجرون أذيال الخيبة، بعد أن تحملوا مشقة السفر لمعبر رأس جدير وقلة المواد الغذائية وعدم النوم طوال هذه الأيام.
سليم: أهالى الكوامل خسروا كل شىء
سليم محمد عثمان، أحد السائقين من قرية الكوامل بسوهاج، «التحرير» التقته فى إحدى الكافتيريات على الطريق الدائرى الموصل لمدينة السلوم الحدودية، عثمان قال لـ«التحرير» إنه وبعض السائقين جاؤوا لنقل 28 شخصا من العائدين من ليبيا من قريته، لنقلهم من المنفذ إلى سوهاج لعدم امتلاكهم أجرة الركوب للعودة، وأخبرنى أنهم اتصلوا به ليجمع لهم سيارتى ميكروباص لتعيداهم إلى قريتهم بعد أن سلبهم الليبيون كل ما يملكون، وخلفوا وراءهم خلاطات أسمنت كانوا قد اشتروها بآلاف الدينارات للعمل فى مجال المعمار بطرابلس وبنغازى.
عثمان تابع حديثه قائلا إن أقاربه وأبناء قريته أبلغوه أن الليبيين استغلوا أزمة خروجهم من ليبيا ورفعوا سعر الأجرة 3 أضعاف، مضيفا أن الطريق فى رحلة العودة من ليبيا إلى مصر محفوف بالمخاطر ويمتلئ بالبلطجية الذين يقومون بتفتيش المصريين، بحجة أنهم ثوار ويأخذون ما معهم من نقود وأجهزة كهربائية أو محمول تحت تهديد السلاح، ولا يتركونهم إلا بعد أن يفرغوا كل أموالهم وإلا لن ينجو منهم أحد بنفسه.
عبد السلام: أطالب الحكومة بتعويضات
محمد عبد السلام محمود، كان يعمل عامل يومية بطرابلس، يقول إنه كان يمتلك نقودا كافية للعودة إلى مصر ودفع تكاليف السفر من ليبيا إلى السلوم ومنها إلى محل إقامته بقرية إطسا بمحافظة الفيوم، ولكن الميليشيات المسلحة الليبية التى تعسكر على الطريق الدولى قطعت عليهم الطريق وسلبت أموالهم وأجهزة المحمول، وطالب الحكومة المصرية بصرف تعويضات مناسبة على ما لحق بهم من أضرار جراء نزوحهم من ليبيا وتركهم كل شىء.
على: هناك مصريون لا يملكون تذكرة العودة
على محمد من قرية بنى هانى مركز إهناسيا بمحافظة بنى سويف، قال إنه سافر إلى ليبيا قبل شهر رمضان الماضى للبحث عن لقمة العيش سعيا وراء الرزق، ولم يمض على سفره أكثر من شهرين خسر خلالها نحو 15 ألف جنيه وعادت جيوبه خاويا بعد أن استلف أجرة العودة من أحد أقاربه، مضيفا أن هناك مصريين مقيمين بليبيا لا يملكون أجرة الركوب والعودة إلى مصر.
أولاد العم: مدرعتان أخذتا منا أموالنا
أبناء العمومة محمد زهير ومحمود زهير من قرية صميدة التابعة لمركز المنيا، قالا إن رحلة عودتهما إلى الأراضى المصرية استغرقت أكثر من يومين متواصلين عن طريق رحلات التهريب ودون أى أوراق رسمية، عن طريق ما يسمى بـ«الدليل» مقابل 100 دينار للفرد، وبعد أن قطعنا مسافة كبيرة فوجئنا بفرقة مسلحة طلبت منا ما لدينا من أموال، إلا أن دليل التهريب تدخل وتفاوض معهم وحصلوا على نصف حصيلة كل منا، ثم تابعنا السير وتبعتنا سيارة حربية أطلقت علينا عددا من الطلقات النارية لتوقيفنا، واستطاع السائق الهروب، لنقع فى مدرعة حربية طلبت ما معنا من أموال متبقية، فشرحنا لهم ما تعرضنا له فرفضوا وقاموا بالاستيلاء على ما تبقى لنا من أموال، وتركوا لنا ما نرتديه من ملابس فقط.
ابنا العم أضافا «بعد أن اقتربنا من الحدود التونسية جاءنا خبر بضرورة العودة لأن هذا الطريق مرصود من قبل القوات الليبية، وأنه فى حالة تقدمنا سنلقى حتفنا بالقصف المدفعى فقرر دليلنا الهروب، وتغيير خطته واتخذ طريقا آخر عن طريق مدقات الجبال إلى الحدود المصرية».
محمد: المصرى لا كرامة له داخل بلده أو خارجها
محمد مفتى، 22 عاما، كان يعمل بمنطقة جنزور بمحافظة طرابلس، قال: تعرضنا للموت عدة مرات خلال الفترة الأخيرة نتيجة الأحداث الدامية والانفلات الأمنى الذى تشهده ليبيا. وأضاف: أعمل فى ليبيا منذ عام ونصف، وضاع كل ما جمعته من أموال فى لحظة عقب اقتحام مسلحين السكن الذى كنا نقيم فيه وهددونا بالقتل بعد توثيقنا بالحبال والاستيلاء على متعلقاتنا وضربنا بالأحذية. وأشار إلى أنهم ظلوا 5 أيام عالقين يتسولون الأكل والشرب ويواجهون الموت، مؤكدا أن المواطن المصرى ليس له كرامة سواء فى بلده أو خارجه.
فتحى: تحويشة العمر وأيام الغربة ضاعت
أما فتحى مندى جاد، فقال: سافرت إلى ليبيا عام 2013 وبعد عناء وتعب من خلال العمل باليومية وفى المزارع رجعت إلى منزلى بأسيوط بملابس ممزقة. مضيفا رأيت الموت ونطقت بالشهادة عقب رؤيتى عددا كبيرا من المصريين يقتلون على أيدى المسلحين الليبيين. وأكد فتحى أن تحويشة العمر وأيام الغربة ضاعت فى طرفة عين، مشيرا إلى أنه سافر إلى ليبيا لضيق ذات اليد فى مصر، مضيفا لا أستطيع أن أقول شيئا سوى «من خرج من داره اتقل مقداره»، كما يقول المثل الشعبى، مطالبا المسؤولين فى مصر بتوفير مصدر رزق للشباب الضائع فى البلاد المجاورة.
تعليقات
إرسال تعليق